فصل: بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا:

(تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ): {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ» وَإِذَا وَجَبَ التَّطْهِيرُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّوْبِ وَجَبَ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ الْكُلَّ.
(وَيَجُوزُ تَطْهِيرُهَا بِالْمَاءِ، وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِهِ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا إذَا عُصِرَ انْعَصَرَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ، لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالنَّجِسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلضِّرْوَةِ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْمَائِعَ قَالِعٌ، وَالطَّهُورِيَّةُ بِعِلَةِ الْقَلْعِ وَالْإِزَالَةِ، وَالنَّجَاسَةُ لِلْمُجَاوَرَةِ، فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ يَبْقَى طَاهِرًا.
وَجَوَابُ الْكِتَابِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يُجَوِّزْ فِي الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ.
الشرح:
بَابُ الْأَنْجَاسِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاء».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ»، انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: «حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ انْضَحِيهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ دَمًا فَلْتَقْرُصْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، وَلْتَنْضَحْ مَا لَمْ تَرَ، وَتُصَلِّي فِيهِ»، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَفِيهِ قَالَ: «اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ وَاغْسِلِيهِ وَصَلِّي فِيهِ»، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ فِي كِتَابِ الْمُنْتَقَى حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ «أَنْ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ يُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ، فَقَالَ: حُتِّيهِ وَاقْرُصِيهِ وَرُشِّيهِ بِالْمَاءِ» انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْ الثِّيَابِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَهُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَا يَقُولُ بِهِ إمَامُهُ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
(وَإِذَا) (أَصَابَ الْخُفَّ نَجَاسَةٌ لَهَا جِرْمٌ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ فَجَفَّ فَدَلَكَهُ بِالْأَرْضِ) (جَازَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ (إلَّا فِي الْمَنِيِّ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمُتَدَاخِلَ فِي الْخُفِّ لَا يُزِيلُهُ الْجَفَافُ وَالدَّلْكُ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
وَلَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَإِنْ كَانَ بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ»، وَلِأَنَّ الْجِلْدَ لِصَلَابَتِهِ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ إلَّا قَلِيلًا، ثُمَّ يَجْتَذِبُهُ الْجِرْمُ إذَا جَفَّ، فَإِذَا زَالَ زَالَ مَا قَامَ بِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ كَانَ بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِينَ: أَحَدُهُمَا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انتهى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقٍ لَا يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ الْأَصْلِ، الْمِصِّيصِيِّ الدَّارِ أَبُو يُوسُفَ ضَعِيفٌ، وَأَضْعَفُ مَا هُوَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي أَشْيَاءَ مُنْكَرَةً وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: هُوَ عِنْدِي لَيْسَ ثِقَةً انْتَهَى كَلَامُهُ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: أُنْبِئْت أَنَّ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْأَوَّلُ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَفِيهِ مَقَالٌ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ.
وَالثَّانِي: فِيهِ مَجْهُولٌ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاةِ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَيْك، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ جَبْرَائِيلَ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا وَقَالَ: إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى، فَلِيَمْسَحْهُ، وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا».
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: «وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا»، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مَسَانِيدِهِمْ بِنَحْوِ أَبِي دَاوُد.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَطَأُ بِنَعْلَيْهِ فِي الْأَذَى، قَالَ: التُّرَابُ لَهُمَا طَهُورٌ» انْتَهَى.
وضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ هَذَا عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ سَمْعَانَ بِهِ، وَقَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى ابْنِ سَمْعَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَذَّابٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ مَتْرُوكُ: الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَفِي الرَّطْبِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَغْسِلَهُ) لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ يُكَثِّرُهُ وَلَا يُطَهِّرُهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ إذَا مَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَإِطْلَاقِ مَا يُرْوَى، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ (فَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلٌ فَيَبِسَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَغْسِلَهُ) وَكَذَا كُلُّ مَا لَا جِرْمَ لَهُ كَالْخَمْرِ، لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ تَتَشَرَّبُ فِيهِ وَلَا جَاذِبَ يَجْذِبُهَا، وَقِيلَ: مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الرَّمَلِ وَالرَّمَادِ جِرْمٌ لَهُ.
(وَالثَّوْبُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ وَإِنْ يَبِسَ)، لِأَنَّ الثَّوْبَ لِتَخَلْخُلِهِ يَتَدَاخَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا الْغَسْلُ.
(وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ إنْ كَانَ رَطْبًا، فَإِذَا جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا، وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا».
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَنِيُّ طَاهِرٌ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ» وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ.
وَلَوْ أَصَابَ الْبَدَنَ قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ: يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، لِأَنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ لَا يُطَهَّرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ فَلَا يَعُودُ إلَى الْجِرْمِ، وَالْبَدَنُ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي الْمَنِيِّ: فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا».
قُلْت: غَرِيبٌ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ يَابِسًا وَأَغْسِلُهُ إذَا كَانَ رَطْبًا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: لَا يُعْلَمُ أَسْنَدَهُ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ هَذَا، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَمْرَةَ مُرْسَلًا. انتهى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْحَنَفِيَّةُ يَحْتَجُّونَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: «اغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا»، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ فَرْكَ الثَّوْبِ عَلَى غَيْرِ الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، وَهَذَا يَنْتَقِضُ بِمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ: «كُنْت أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي فِيهِ» وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد: «ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» وَالْفَاءُ تَرْفَعُ احْتِمَالَ غَسْلِهِ بَعْدَ الْفَرْكِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْفَرْكِ بِالْمَاءِ، وَهَذَا يَنْتَقِضُ بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا «لَقَدْ رَأَيْتنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَابِسًا بِظُفْرِي»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَحَادِيثُ الْبَابِ):
رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ، فَيُصَلِّي وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى بُقَعِ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ. انتهى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهَا: كُنْت أَفْرُكُ مِنْ ثَوْبِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، كَمَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ غَسْلِهِ قَدَمَيْهِ وَمَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ غَسْلَهُ كَانَ لِلِاسْتِقْذَارِ لَا لِلنَّجَاسَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: سَيَأْتِي قَرِيبًا.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إنِّي احْتَلَمْتُ عَلَى طُنْفُسَةٍ، فَقَالَ: «إنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَاحْكُكْهُ، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْك فَارْشُشْهُ بِالْمَاءِ» انْتَهَى.
(أَحَادِيثُ الْخُصُومِ):
رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْبَأَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَيَحُتُّهُ يَابِسًا ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، قَالَ: إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ أَوْ الْبُزَاقِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ. انتهى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِسْحَاقُ إمَامٌ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَفْعُهُ زِيَادَةٌ، وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ وَقَفَهُ لَمْ يَحْفَظْ. انتهى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا، وَلَا يَثْبُتُ. انتهى.
(الْحَدِيثُ الرَّابِعُ): قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ»، وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ.
قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: «مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْقِي رَاحِلَةً لِي فِي رَكْوَةٍ، إذْ تَنَخَّمْتُ فَأَصَابَتْ نُخَامَتِي ثَوْبِي، فَأَقْبَلْت أَغْسِلُهَا، فَقَالَ: يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُك وَلَا دُمُوعُك إلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي فِي رَكْوَتِك، إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، وَالْمَنِيِّ، وَالدَّمِ، وَالْقَيْءِ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَلَهُ أَحَادِيثُ فِي أَسَانِيدِهَا الثِّقَاتُ يُخَالَفُ فِيهَا وَهِيَ مَنَاكِيرُ وَمَقْلُوبَاتٌ، انْتَهَى.
قُلْت: وَجَدَتْ لَهُ مُتَابِعًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، رَوَاهُ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعِجْلِيّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنِّي وَجَدْت الْحَدِيثَ فِي نُسْخَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مِنْ مُسْنَدِ الْبَزَّارِ: مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ الْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالْقَيْءِ، وَالدَّمِ. انتهى.
قَالَ الْبَزَّارُ: وَثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ كَانَ ثِقَةً وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. انتهى.
نَقَلَ الْبَزَّارُ ذَلِكَ عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي بَابِ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ دُونَ الْمَائِعَاتِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُك» إلَى آخِرِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا رَوَاهُ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ. انتهى.
وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ تَشْبِيهَ النُّخَامَةِ فِي الْحَدِيثِ بِالْمَاءِ فِي الطَّهُورِيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا التَّشْبِيهُ فِي الطَّهَارَةِ، أَيْ: النُّخَامَةُ طَاهِرَةٌ لَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَشِبِّيهِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ اسْتِوَاؤُهُمَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَصَحَّ أَنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونَا بِغَيْرِهِ.
وَقَالَ الْعِجْلِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، وَرَوَى لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَدُوقٌ، وَثَابِتٌ هَذَا، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: مَا رَأَيْت أَحَدًا بَعْدَ الْكَشْفِ التَّامِّ جَعَلَهُ مُتَّهَمًا بِالْوَضْعِ غَيْرَ الْبَيْهَقِيّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَنْسِبْهُ إلَى الْوَضْعِ، وَإِنَّمَا حَكَى فِيهِ قَوْلَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَقَوْلَ ابْنِ عَدِيٍّ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ أَوْ السَّيْفَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ، وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ.
(وَإِنْ) (أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا تَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ (وَ) لِهَذَا (لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ) وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «زَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا» وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ، فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «زَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا».
قُلْت: غَرِيبٌ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: زَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا.
وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: إذَا جَفَّتْ الْأَرْضُ فَقَدْ زَكَتْ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا. انتهى.
وَقَدْ يَسْتَدِلُّ الْخَصْمُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَزْرِمُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَال، ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ» مُخْتَصَرٌ، وَوَرَدَ فِيهِ: الْحَفْرُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُسْنَدَيْنِ، وَطَرِيقَيْنِ مُرْسَلَيْنِ: فَالْمُسْنَدَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ سَمْعَانَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَال فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَانِهِ فَاحْتُفِرَ وَصَبَّ عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ» انْتَهَى.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: احْفِرُوا مَكَانَهُ، ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، لِأَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْحُفَّاظَ رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِدُونِ الْحَفْرِ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: احْفِرُوا مَكَانَهُ، مُرْسَلًا. انتهى.
وَأَمَّا الْمُرْسَلَانِ:
فَأَحَدُهُمَا: هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ.
وَالثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: صَلَّى أَعْرَابِيٌّ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً» قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنْ النَّجَسِ الْمُغَلَّظِ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجَةِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَإِنْ زَادَ لَمْ تَجُزْ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يُفَصِّلْ، وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ عَفْوًا، وَقَدَّرْنَاهُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ، ثُمَّ يُرْوَى اعْتِبَارُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ فِي الصَّحِيحِ، وَيُرْوَى مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالُ وَهُوَ مَا يَبْلُغُ وَزْنُهُ مِثْقَالًا، وَقِيلَ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا: إنَّ الْأُولَى فِي الرَّقِيقِ وَالثَّانِيَةُ فِي الْكَثِيفِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَجَاسَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُغَلَّظَةً، لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ.
الشرح:
حَدِيثٌ لِأَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ بِالدِّرْهَمِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ رَوْحِ بْنِ غُطَيْفٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ»، وَفِي لَفْظٍ: «إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتْ الصَّلَاة» انْتَهَى.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَرَوْحٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ اخْتَرَعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَكَانَ رَوْحُ بْنُ غُطَيْفٍ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَغْلَظَ فِي نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ.
(وَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ رُبْعَ الثَّوْبِ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ، وَالرُّبْعُ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَعَنْهُ رُبْعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ، وَقِيلَ: رُبْعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ كَالذَّيْلِ وَالدِّخْرِيصِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مُخَفَّفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ، أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ.
الشرح:
قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كَانَ يَعْنِي بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، مُخَفَّفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ.
يُشِيرُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، إلَى حَدِيثِ: «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» مَعَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَقَدْ مَرَّا.
(وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ الرَّوْثِ أَوْ مِنْ أَحْشَاءِ الْبَقَرِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي نَجَاسَتِهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ» أَوْ رِكْسٌ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ عِنْدَهُ، وَالتَّخْفِيفُ بِالتَّعَارُضِ (وَقَالَا: يُجْزِئُهُ حَتَّى يَفْحُشَ) لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا، وَبِهَذَا يَثْبُتُ التَّخْفِيفُ عِنْدَهُمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهَا، وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي التَّخْفِيفِ، بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ، لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ.
قُلْنَا: الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرُ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ.
وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَوَافَقَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الرَّيَّ وَرَأَى الْبَلَوِيَّ أَفْتَى بِأَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ لَا يَمْنَعُ أَيْضًا، وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى، وَعِنْدَ ذَلِكَ رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ يُرْوَى.
(وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يَفْسُدْ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعَنْهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ فَحُشَ)، لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ مُخَفَّفٌ نَجَاسَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَحْمُهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَالتَّخْفِيفُ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ.
الشرح:
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ، يُشِيرُ إلَيْهِمَا أَيْضًا.
(وَإِنْ أَصَابَهُ خُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَجُوزُ) فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي الْمِقْدَارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، هُوَ يَقُولُ: إنَّ التَّخْفِيفَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ فَلَا يُخَفَّفُ، وَلَهُمَا أَنَّهَا تُذْرَقُ مِنْ الْهَوَاءِ، وَالنُّخَامِيُّ عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ، فَتَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ.
وَلَوْ وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ قِيلَ: يُفْسِدُهُ، وَقِيلَ: لَا يُفْسِدُهُ، لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْأَوَانِيَ عَنْهُ.
(وَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ دَمِ السَّمَكِ أَوْ مِنْ لُعَابِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَمَّا دَمُ السَّمَكِ، فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ، فَلَا يَكُونُ نَجَسًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ فَاعْتَبَرَهُ نَجَسًا، وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، فَلِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الطَّاهِرُ (فَإِنْ انْتَضَحَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ.
قَالَ: (وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ: مَرْئِيَّةٌ، وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ، فَمَا كَانَ مِنْهَا مَرْئِيًّا فَطَهَارَتُهُ زَوَالُ عَيْنِهَا) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حَلَّتْ الْمَحَلَّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا (إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا تَشُقُّ إزَالَتُهُ)، لِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ، وَإِنْ زَالَ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَفِيهِ كَلَامٌ (وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ، وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ، فَاعْتُبِرَ غَالِبُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّرُوا بِالثَّلَاثِ، لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ، فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا، وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَخْرَجُ.